إستيقظ فجراً على ضوء النهار المنبثق من النافذة..
كان يمكن أن يكون أجمل في الأيام الأولى لي هنا...ولكنها إرادة الله فلم يكن كذلك إلا بعد حين!
صرت بعد فضل الله عليّ أعتمد على نفسي في ذهابي لدورة المياه متمسكة بالقريب البارز من الجدران...
لقد كانوا من قبل يوصلونني إليها بالكرسي المتحرك -لا أعادها الله من أيام....
هنا.....ومع تباشير الفجر معظم المرضى نائمون..والهدوء يخيم على أروقة المشفى..
أما أنا فأجد نفسي قد تنبهتُ لا شعورياً من نومي بلا أية منبهات -بفضل الله ورحمته- فصلاة الفجر لا يمكنني نسيانها..
نظرت إلى صفحة وجهي عبر المرآة في دورة المياه...الشحوب يغطي قسماته..
غسلت وجهي بغسولي ذي الرائحة المنعشة..فثمة أشياء علينا ألا ننساها حتى في المرض!
كان الجو كئيباً بالنسبة لحالتي...ولكم ذرفت دمعي بصمت...إضافة إلى أن الوحدة قاتله بالنسبة لي..!
بفضل الله تحسنت صحتي..صحيح أن الأدوية التي أتنوالها قوية بعض الشيء..ولكنها أفضل بكثير من المرض الذي أعانيه..
خرجت من دورة المياه وأنا أشعر براحة عظيمة تملأ نفسي فالوضوء له ذلك الأثر السحري..وإبتسامة جذابة تزين وجهي.
ممم...ربما لإنني هكذا جُبلتُ منذ صغري والحمدلله على طبعها بشفتيّ وفي كثيرٍ من الاوقات بالفعل..!
اذ إنني أستطيع إهدائها لكل من ينظر الى صفحة وجهي وبالمجان..... وبالطبع دون تعبي!
أمضي حيث سريري وعلى الكرسي المجانب له اصلي واقرأ شيئاً من القرآن ثم اذكار الصباح....
في العاده اتصابح مع المرافقين لي بالحجره من بريطانيات بGood morning ثم يأتي ممرض مضيف بوجبة الافطار يرافقها -المنيو- كي اختار لوجبتي الغذاء والعشاء...!
مممم....صحيح طعامهم بالتأكيد لا يقارن بما نصنعه ونأكله بمنازلنا وبالخارج ولكنه على اية حالٍ جيد بحمد الله
حسناً....سأحكي لكم عن من معي بالحجره...
سيده كهله كلما نظرتُ اليها أُسبح الله وأقول في نفسي: ربي لا تردني الى ارذل العمر!
فالتجاعيد تكسو جميع جلدها بدرجه تثير التعجب -سبحان الله!
كنت اقول بنفسي: يا ترى كم مضى عليها بهذه الحياه؟ تسعون مثلاً ام اكثر؟
لكنها إمرأه لطيفه كانت هي أول من تعرف عليّ بعد ان تحسنت حالتي عن السابق...جلست بجانبي على السرير وثمة أسئلة تعرفت فيها عليّ...
سألتني -مما اضحكني- كم عمري؟ وخمنت قائله سكستين؟ السادسه عشره؟
فإبتسمتُ قائله: كلا في الرابعه والعشرين -تونتي فور- تعجبت بالفعل....وقالت كلاما وهي تبتسم لم أفهمه!!
اها....في الحقيقه يبدو ان نموي قد توقف بعد زواجي في السادسه عشره كما يبدو -خخخخ-ورأت إبنتيّ بهاتفي المحمول وقالت انها ستُسر بالفعل لدى رؤيتها لهما في فترة الزياره المخصصه...
وأما الباقيات...سيده ربما في اخر العشرينات أو منتصف الثلاثينات -لست ادري- اذ انه لا نستطيع التخمين فيهم فأشكالهم وإجسادهم وحتى طبيعة جلودهم تظهرهم بعمرٍ فوق الأعمار الحقيقه!
كانت تسلي نفسها بالتلفاز والمجلات وناولتني ذات مره بمجلة ازياء أتصفح معها...
إذ تكونت علاقه بسيطه بيننا...وإستفدت بمحادثتي معها بالانجليزيه المخبئه منذ زمن تنتظر الخروج!
وهنالك عجوزٌ اخرى..تصور لي جيداً كيف تكون العجائز عندما يتصابين فتصرفاتها كالمراهقات بالرغم من شعرها الذي ابيّض من الكِبر!
لكنها تبدو من الفئه التي تكره المسلمين شيئاً...اذ يبدو ذلك من نظراتها واسلوبها!
بإختصار كنّ هؤلاء معي بالحجره....
أشغلتُ نفسي بالقراءه من الطفيف لديّ من الكتيبات والتي إحضرتها لي صديقه غاليه وحبيبه إضافةً الى مسبحه والمصحف طبعاً ومسجلاً يدوياً صغيراً بأشرطة الكاسيت ودفتر مذكراتي هذا.
كنتُ احب أمشي بتأني الى حيثُ النافذه الكبيره والمتربعه صدر الحجره فأنظر الى السماء والسحب فأشاهد بديع خلق الله وعظمته وقد أتابع المطر وهو يهطل أو ينساب..!
وبهاتفي المحمول الممتليء بالعديد من الصوتيات أبقى أسمع وأسترخي في محاولةٍ مني لإبهاج نفسي بنفسي!
أووه.....
تذكرتُ موقف قد حصل معي في أول دخولي للمستشفى يتعلق بهذه الصوتيات -الاناشيد- يبدو كثيراً مميزاً بالفعل...
عندما أتيتُ إلى المستشفى كنتُ منهكه بالفعل من كثرة إسترجاعي لأي شيءٍ آكله، إذ عرفتُ فيما بعد أنها هجمه -أتاك- في نفس المرض اضافةً الى الدوران وحالة صعوبة الإتزان في المشي!! –
كنتُ ليومين لم آكل شيئاً....وفي الحقيقه لقد فقدتُ الكثير من وزني!
أعطوني عدة محاليل وجلوكوز كتعويض وابرة مانعه -ان شاء الله- للإسترجاع..
وفي اليوم الثاني....ومنذ الصباح شعرتُ بتحسنٍ بفضل الله..
لكنني حُرمتُ من الطعام والشراب مخافة عودة الحاله...بقيوا يراقبونني بإهتمام..
الجوع بدأ يقرصني..سألتهم عن الطعام ولا زلتُ أذكر تأسف الممرض لي بصدق وإهتمام واظهاره السبب في ذلك!!
صمت...بشيءٍ من الحزن..وتذكرتُ راحمي هو من سيخرجني من ذلك وهو من سيطعمني ان شاء الله.
وذهبوا بي الى دورة المياه بالكرسي المتحرك...وعندما صرتُ بمفردي سرقتُ بكفيّ ماءً أشربه من الصنبور..!
وتوضأتُ للصلاه..أحسستُ بنشاطٍ يتدفق في شرايني والحمدلله
وعدتُ الى سريري...وبعد الصلاه.....
فكرت....
وجدتُ كلّ شيءٍ صامت...مختلف..متحجر.. يتابعني حتى الكراسي والجدران!
يا لهي..!
ماذا سأفعل؟!
أأُغمض عينيّ وأنام مجدداً قطعاً للوقتِ أم ماذا؟
حسناً...
ولكنني مللت..
وكان السرير أستطيع التحكم فيه عبر الجهاز -الريموت- فأرخيه أو أُجلسه..
ولثواني.....
جاءني خاطرٌ عجيب...كنتُ متعوده عليه بكل أحوالي..
فبدأتُ التطبيق
رفعت السرير نصف جلسه وإستندتُ عليه، ثم رفعتُ فخذيّ الى صدري وإستجمعتهما بذراعيّ بطريقة توحي لمن يراني بأنني سعيده أو بخير وعلى ما يرام..!
حسناً...تابعتُ خاطري..وأخذتُ هاتفي المحمول واشغلتُ -الاناشيد- وبدرجةٍ منخفضه نوعاً ما..وصرتُ أستمع وأسترخي....!
بعد ذلك..لستُ أدري أكان الصوت مسموعاً أو شيئاً ما؟!
فكلما جاء ممرض أو ممرضه نظروا لي بتعجب...ثم سألوني: هل أنا بخير؟! هل أشعر بتحسن؟!
ثم جاء ممرضٌ معهم وسألني:
Are you ok?? Arwa
فأجبتُ بإبتسامه دون ان أعرف سر الاسئله حتى!
Yes..I am ok!
فقال الممرض:
? Does the food come to you
? Can you eat
فأجبتُ بفرح:
YES….PLEASE!
فإبتسموا جميعاً..
واحضروا لي وجبة الافطار الخفيفه جداً..
لقد شعرتُ وقتها انها من ألذ ما أكلت..!
حمدتُ الله سبحانه..وأبتسامه جذلى لم استطع إيقافها فما حصل مني لم يكن بتخطيطٍ مسبق او أي تعب مبذول!
بل لم أكن أعلم بأن ما فعلته بسجيه روتينةٍ مني تفعل العجب...هههه
لقد كان سراً تثبت برأسي...أبوح به اليكم
إن السعاده والبهجه نحن من نصنعها بأنفسنا لأنفسنا ذاتها..فلو إجتمع من في الأرض على ان يسعدوك فلن يفلحوا وأنت لا تبغي..
لن يستطيعوا ان ينجحوا...!
فإحساسك تجاه نفسك..تفاؤلك او تشاؤمك سيشعر به من حولك..
سيصل اليهم فبحدثيك وتعاملك...سيشعرون
فأنت المعني والمبادر بإسعاد ذاتك..
ربما اكون عنيده بل ومثابره كهذا دأبي...ما اريده سأفعل المستحيل -المعقول- حتى أصل اليه بفضل الله...
والحمدلله
وعندما كانت صديقاتي يزرنني كنتُ اجد سعاده بالغه لما يدخلونه عليّ من بهجه بإشاعتهم روح الحب والمواساه..!
فباقات الورد كانت تلاصقني..تُضفي الجمال والهدوء في مكاني..
فما أجمله من هدي حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم في زيارة المريض...!
وما أحلاها من اجورٍ تُصب في موازين الزائر لنفس المريض..
لا أخفيكم كم كنتُ اجاهد دمعي من النزول...ونفسيتي من أن تحزن..
كان حتى إتصال صديقاتي بي يواسيني كثيراً ويبهجني
فهل ستلومونني؟! تلومونني ونحن مغتربون لدراسه؟
فالحمدلله الذي لا ينسى عباده...
من يسخر عبداً وامةً لعبده وامته...سبحانه جلّ في علاه
لا انسى دوماً...ان الله اذا أحب عبده إبتلاه ليجد تضرعه وقربه
ألم يقل سبحانه: {وبشرِ الصابرين الذين اذا اصابتهم مصيبةٌ قالوا انا للله وانا اليه راجعون، اولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمه واولئك هم المهتدون} و {أم حسبتم أن تدخلوا الجنه ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه متى نصر الله ألا ان نصر الله قريب..}
أحبتي.....
حينما نعلم ما أعده الله للمبتلين الصابرين سنسعد ونهنأ بالاً لما يُصيبنا
فإن الله قد أعدّ نعيماً لإهل البلاء يتمنى العبد حينما يرى الجزاء بالاخره ان لو اُبتلي اكثر لما يراه من نعيمٍ وجزاء...
فسبحان الله...سبحان الكريم الجواد
كنتُ اخطط انه عندما سأعود الى حيثُ بيتي واسرتي الصغيره أن شاء الله...
قطعتُ على نفسي وعداً ان اكون جميله ومبتسمه..
وارى الحياة منظور التفاؤل والحب لكل شيءٍ والرضا..
فما حصل لي قد ولّى ورحل ان شاء الله
وليس من إرادتي بشيء!
و سأبدأ رحلة النسيان...
وأفتح أشياءً جديده بكياني وذاتي..
فما اجمل الامل والتفاؤل
وما اجمل الحياة عندما نبحث عما بها...
وننظر اليها بمنظور الحب
والإيجاب..
الكاتب: أروى فيصل ضحوة.
المصدر: موقع رسالة المرأة.